بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الطيبين الطاهرين المنتجبين، الهداة المهديين.
و اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
القرآن الكريم، وسيلة للوصول إلى الله.
في البداية، أنقل كلاماً لسيد الوصيين و إمام المتقين صلوات الله و سلامه عليه، قال في وصف المتقين: ( و أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلغً. يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، و تطلعت نفوسهم إليها شوقاً، و ظنوا أنها نصب أعينهم. و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و ظنوا أن زفير جهنم و شهيقها في أصول آذانهم ).
القرآن الكريم، الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله تعالى، و هو أعظم وسيلة للربط بين الخالق و المخلوق.
يحتاج هذا الكتاب الشريف لإنسان ذي قلب سليم لكي يتقبله و يعرفه، و يا للأسف، الكثير لم يستفد من القرآن الكريم و لا زال البعض يقرأ فيه كما يقرأ في كتاب يتكلم في التأريخ، و آخر يقرأه ككتاب في الأدب، و آخر يقرأ للثواب فقط.
لكل كتاب موضوع، فالكتاب يتكلم عن علم، و لا بد للعلم من موضوع، فما موضوع هذا الكتاب الإلهي؟
موضوع القرآن الكريم: الهداية. و ليس هناك كتاب في العالم أجمع للهداية إلا القرآن الكريم، ( هدى للناس )، لمن أراد منهم الهداية، و لذلك تقرأ أيضاً: ( هدى للمتقين ). و القراءة للقرآن ينبغي أن تكون من هذا الباب، قرأت قصة، قرأت مثلاً، قرأت تشريعاً، اقرأه كهداية.
و في الرواية: ( اقرأ و اصعد )، أي افهم مقاصد القرآن و ارتق في الجنة، و من هنا سميت السورة سورة. فـ ( السورة ) بمعنى ( السور )، أي أنه صعب العبور، و هذا السور يختلف من سورةٍ لأخرى، فهناك سورة أعظم من أخرى، فكيف نتجاوز هذا السور و نرتقي؟
و مقاصد القرآن ستة:
الأول/ معرفة الله.
الثاني/ تهذيب النفس.
الثالث/ عرض قصص الأنبياء.
الرابع/ بيان أحوال الكفار و الجاحدين.
الخامس/ بيان ظاهر الشريعة.
السادس/ بيان أحوال المعاد.
و لكن هذه المقاصد تريد من يفهمها، و يلتفت لها حين القراءة. و لا يسع المجال لشرح هذه المقاصد، و لكن سأشير إجمالاً لشيء يتعلق ببعضها.
دعونا نتأمل في قصة أصحاب الفيل: ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل )، هذه أول آية في سورة الفيل، و بعد هذه السورة تأتي سورة قريش: ( لإيلاف قريش ). و يقول بعض العلماء ان السورتين سورة واحدة.
في هذه الآيات: ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) إلى قوله تعالى: ( فأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة ….) لماذا كان هذا الدفاع عن البيت؟ الجواب: ( لإيلاف قريش ) للألفة و الوحدة في قريش، دافعنا عن البيت و أرسلنا الطير الأبابيل، و دعونا نسأل: أي ألفة؟ و الجواب: ( إيلافهم رحلة الشتاء و الصيف )، أي أنها ألفة و وحدة اقتصادية لا غير، و بسببها و هم على غير الجادّة كان ما كان، إذن ( فليعبدوا رب هذا البيت ) و يتحدون و سيرون ما سيكون لهم، ( و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً ).
و في هذا رسالة كبرى للأمة. فأين المتأمل؟
و دعونا نتكلم عن شيء لطيف، ألا و هو الحلقات و خيوط الوصل في القرآن الكريم، تجد في سورة واحدة كلمة تتكرر أكثر من مرة و لا تجدها في سور أخرى!
اقرأ في سورة يوسف على سبيل المثال: ( سنراود عنه أباه )، أنت عندما تقرأ هذه الكلمة ( سنراود ) في هذا الموضع فإنك تلقائياً تتذكر ( تراود فتاها ) ( و راودته التي هو في بيتها ).
إذن، هناك ربط للأحداث، فكأن القرآن الكريم يريد منك التعايش مع الحدث من أوله لآخره، و ذلك بكلمة واحدة.
و أيضاُ كلمة ( و كذلك مكّنّا ) في نفس السورة، تجدها في البداية و الوسط و النهاية.
و دعونا نستعرض مثالاً يتضح فيه المقصد الأخير، بيان أحوال المعاد.
قال تعالى: ( يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت )، أولاً تأملوا في ( كل ) أي لا امرأة قوية و لا ضعيفة، الكل، و ثانياُ تأملوا في (عما )، الما موصولة مبهمة، و الموصول المبهم يفيد الجهل المطلق، فيكون المعنى أن المرأة تجهل جهلاً مطلقاً ما بيدها، أهو حديدة، أهو كتاب، أهو طفل؟!
و انظروا إلى الآيات القرآنية، و السور العظام، انظروا إلى سورة النور و ما فيها، إلى سورة الواقعة، إلى سورة الرحمن، المجال لا يتسع لشيء.
و بعد معرفة مقاصد القرآن الكريم، نسأل: كيف نستفيد من القرآن الكريم؟
لا بد أن نلتفت في البداية إلى مطلب مهم يكشف بالتوجه إليه طريق الاستفادة من هذا الكتاب الإلهي، و هو أن يكون نظرنا فيه نظر التعليم، و أنه كتاب نتعلم منه، و نهتدي به، و هذه نقطة مهمة جداً.
لا نقرأ القرآن و هدفنا أن نجد ما يؤيد النظرية الفلانية مثلاً، بل لكي نحن نسنفيد.
و هناك حجب مانعة للوصول لمقاصد القرآن، و بوجودها لا تتم الاستفادة، أذكرها كرؤوس أقلام:
الأول: رؤية النفس.
الثاني: الآراء و المعتقدات الباطلة و النظريات.
الثالث: الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا بما كتبه المفسرون.
الرابع: المعاصي و المنكرات.
الخامس: حب الدنيا.
و هناك آداب ينبغي للإنسان مراعاتها حين القراءة، منها:
- حضور القلب و الخضوع و الخشوع، فمن لم يخضع فقد استهان بالله وفقاُ للرواية المأثورة.
- التفكر و التدبر، و تكفيك الآية: ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم و لعلهم يتفكرون ).
فلاحتمال التفكر ( لعلهم )، أُنزل القرآن. تأملوا أخواني و أخواتي.
و في الرواية: ( لا خير في قراءة لا تفكر فيها ).
القرآن الكريم هو المربي لأولياء الله تعالى، و التربية تعني التكامل و النمو، وفقنا الله و إياكم.
نسأل الله أن يوفقنا لتلاوة كتابه، و الاهتداء به، و أن نكون ممن وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام و ذلك في كلامه الذي تشرفنا جميعاً بقراءته في صدر البحث.
و الحمد لله رب العالمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] منقوووووووووول